2014-08-17

دراسة علمية تقترح أن الحياة قد انبثقت من الصلصال


دراسة علمية تقترح أن الحياة قد انبثقت من الصلصال

الدكتور منصور أبوشريعة العبادي \ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية

 

نشر موقع (CNN) في عام 2003م العنوان المثير التالي: دراسة تقترح أن الحياة قد انبثقت من الصلصال (Study suggests life sprang from clay) وورد في المقالة ما نصه: العلم يدعم الدين في دراسة تقترح أن الحياة قد انبثقت بالفعل من الصلصال-كما في تعاليم بعض الأديان(Science backed up religion in a study that suggests life may have indeed sprung from clay -- just as many faiths teach). وكذلك كان أحد عناوين مجلة أخبار العلوم (Science News) في عام 1977م هو: نمذجة التطور المبكر بالصلصال (Modeling Early Evolution with Clay) وفي مقدمة هذه المقالة وردت الجملة التالية: (قد يكون الصلصال الوضيع هو الذي شكل الخطوة الأهم في التطور الكيميائي للحياة). وقد تفرد القرآن الكريم على غيره من الكتب السماوية بذكره لمختلف مراحل التطور الكيميائي للحياة وهي على التوالي مرحلة الطين اللازب ومرحلة الحمأ المسنون ومرحلة الصلصال الذي كالفخار ومرحلة سلالة الطين. ومما يثير الدهشة أن المراحل التي اكتشفها علماء التطور جاءت متطابقة تماما مع المراحل التي ذكرها القرآن الكريم إلى درجة أن هؤلاء العلماء أطلقوا على هذه المراحل مسميات مشابهة لتلك التي وردت في القرآن الكريم. وقد يقول قائل أن الآيات القرآنية تشير إلى أن هذه المراحل هي المراحل التي مر بها خلق آدم عليه السلام وليس بقية الكائنات الحية والجواب على ذلك يمكن أن نستوحيه من قوله تعالى "أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا" الكهف. فعلى الرغم من أن الآية تنص على أن هذا الرجل الكافر المخاطب فيها خلق من التراب إلا أننا على يقين أنه لم يخلق من التراب بشكل مباشر بل خلق من نطفة ولكن أصل خلقه من التراب. وكذلك هو الحال مع آدم عليه السلام فهو لم يخلق مباشرة من التراب بل إن أصل الكائنات الحية جميعها قد خلق من التراب مباشرة ولكن بعد مروره بمراحل تطور كيميائي معقدة عمل علماء تطور الحياة ولا زالوا يعملون على كشفها. وقد ورد ذكر مرحلة الصلصال في القرآن الكريم في قوله تعالى "وإذ قال ربّك للملائكة إنّي خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون" الحجر 28 وفي قوله تعالى "خلق الإنسان من صلصال كالفخار" الرحمن 14. فبعد أن أجمع علماء التطور على أن  مرحلة الحمأ المسنون أو ما يسمى مرحلة الحساء البدائي هي المرحلة التي تكونت بها المواد العضوية الأساسية في جو الأرض الأولي بدأ العلماء بالبحث عن المرحلة التالية من مراحل تحول التراب إلى أول شكل من أشكال الحياة. وقد كان الرأي السائد بين علماء التطور في بداية الأمر أنه ونتيجة لوجود كميات ضخمة من المواد العضوية الأساسية في الحساء البدائي فقد بدأت هذه المواد البسيطة بالارتباط ببعضها البعض  لتكون مواد عضوية أكثر تعقيدا كالبروتينات والأحماض النووية. وقد يقتنع من لا علم عنده بتركيب المواد العضوية بمثل هذا الرأي كما سبق للناس في عصور الجهل أن تقبلوا فكرة أن الحشرات والضفادع تصنع من طين البرك وأن الديدان والذباب تتكون من اللحوم الفاسدة. ولكن هذا الرأي قد تم استبعاده تماما من قبل علماء التطور بعد أن تبين لهم استحالة تكون المواد العضوية المعقدة كالبروتينات والأحماض النووية في غياب الأنزيمات التي هي نوع من أنواع البروتينات والتي تحتاج كذلك لمن يصنعها. وهنا لا بد من القول بأنه من غير الإنصاف أن يتهم علماء التطور بأنهم يتلاعبون بنتائج دراساتهم وأبحاثهم للتوافق مع نظرية التطور التي يؤمنون بها ففي استبعادهم لفكرة أن المواد العضوية المعقدة قد تم تصنيعها في داخل الحساء البدائي من المواد العضوية البسيطة أكبر دليل على عدم تحيزهم لنظريتهم. وبعد أن تم استبعاد هذا الرأي من قبل معظم علماء التطور بدأ البحث عن الطريقة التي تم من خلالها تصنيع المواد العضوية المعقدة في داخل هذا الحمأ المسنون. وقد وجه بعض هؤلاء العلماء مسار أبحاثهم في اتجاه لم يكن ليخطر على بال أحد فقد اكتشف بعضهم أن احتمالية تكون المواد العضوية المعقدة من المواد العضوية البسيطة المتوفرة بكثرة في الحساء البدائي تزداد بشكل كبير فيما لو تمت على سطوح بعض المواد. وقد أجرى هؤلاء العلماء تجارب عملية لإثبات نظريتهم هذه فوجدوا أن الأحماض الأمينية شبه الجافة التي تم ترسيبها على سطوح بعض المواد المتوفرة في الطبيعة لها القدرة على تكوين مواد عضوية معقدة أسرع بكثير ممّا لو كانت مذابة في الماء. ووجدوا كذلك أن طبيعة هذه السطوح تلعب دورا مهما في تسريع عملية تكون المواد العضوية المعقدة من مكوناتها الأساسية فسطوح المواد المتبلورة أفضل من غيرها في هذا الخصوص. وقد وجد العلماء  أن السبب في ذلك يعود إلى أن البروتينات والأحماض النووية وبقية المواد العضوية  تتكون من سلاسل طويلة مكونة من وحدات أساسية تتكرر وفق ترتيبات محددة على طول هذه السلاسل وكذلك هو الحال مع الأجسام البلورية حيث يوجد على أسطحها تراكيب دقيقة تعيد نفسها بأنماط مختلفة. واستنتج العلماء من هذا التشابه بين تركيب المواد العضوية وتركيب المواد المتبلورة أنه من المحتمل أن المواد المتبلورة قد ساعدت في ربط وحدات المواد العضوية المعقدة على أسطحها أيّ أنها تقوم بدور الأنزيمات.


وبعد هذا الاكتشاف الغريب بدأ علماء  التطور بالبحث في الطبيعة عن مختلف أنواع المواد المتبلورة التي قد تحتوي على مثل التراكيب الدقيقة التي تكرر نفسها بأنماط يحددها نوع المادة المتبلورة. وبعد أن قام العلماء بدراسة عدد لا بأس به من المواد المتبلورة المتوفرة بكثرة في الطبيعة وقع اختيارهم وبشكل غير متوقع على الصلصال المتبلور أو حسب التعبير القرآني الصلصال الذي كالفخار. يتميز الصلصال المتبلور على غيره من المواد البلورية بامتلاكه لأنماط متعددة من التكرار تتحدد من طبيعة المواد التي صنع منها والظروف الذي يتعرض لها أثناء تكونه بينما لا تمتلك المواد البلورية الأخرى إلا عدد قليل من الأنماط. ويتكون الصلصال من شبكة بلورية من ذرات السيليكون والأكسجين والألمنيوم والهيدروجين مرتبة على شكل طبقات وقد يحدث عند تكون هذه الطبقات أن تحل ذرة ألمنيوم محل ذرة سيليكون فينتج عن ذلك أخطاء تركيبية في بنية الصلصال المتبلور. وقد وجد العلماء أن هذه الأخطاء التركيبية لها القدرة على إعادة نفسها عند تكون طبقات جديدة ممّا يؤدي لظهور عدد كبير جدا من الأنماط التركيبية المختلفة. وتتضمن هذه التراكيب البلورية أنماط من الشحنات الكهربائية لها القدرة على جذب جزيئات المواد العضوية وخاصة النيوكليدات المكونة للحامض النووي من الماء المحيط بالصلصال وتساعدها بالارتباط ببعضها على سطح الصلصال.  وفي تأكيد القرآن الكريم على أن الصلصال الذي استخدم في خلق الحياة الأولى هو النوع الذي يشبه الفخار إشارة إلى ضرورة أن يكون الصلصال بالشكل المتبلور الذي يتطلبه تشكل المواد العضوية على أنماطه البلورية. ومن المحتمل أيضا أن تكون أبعاد البنى الدقيقة الموجودة في الصلصال الذي كالفخار متناسبة مع أبعاد الجزيئات العضوية ممّا يساعدها على التراكب معها. وقد اكتشف العلماء كذلك أن الصلصال المتبلور يمتلك خاصية فريدة وهي قدرته على تفريغ الطاقة التي تحويها جزيئاته في جزيئات المواد العضوية الملتصقة به ممّا مكنها من الارتباط ببعضها البعض وذلك عند تعرض هذا الصلصال لسلسلة من دورات التجفيف والترطيب.
إن هذه الخواص الفريدة للصلصال المتبلور التي مكنته من تصنيع المواد العضوية المعقدة من مكوناتها البسيطة جعلته يقوم مقام الأنزيمات في عملية تصنيع هذه المواد وذلك في غياب الأنزيمات في تلك الحقّبة من الزمن. والأنزيمات كما هو معروف عبارة عن سلاسل بروتينية تلتف على بعضها لتنتج أشكالا هندسية تحتوي سطوحها على تجاويف بأبعاد محددة تتناسب مع أبعاد الجزيئات العضوية التي سيقوم هذا الإنزيم بربطها ببعضها. وقد وجد العلماء أن كل تفاعل كيميائي حيوي يحتاج لأنزيم خاص به حيث لا يمكن لأي إنزيم أن يقوم مقام إنزيم آخر لإتمام هذا التفاعل. وما ينطبق على الأنزيمات لا بد وأن ينطبق على الصلصال الذي تقمص دور الأنزيمات في تلك الحقّبة التي لم يكن بها ثمة إنزيمات أيّ أن سطحه أو حوافه يجب أن تحتوي على عدد كبير من الأنماط للتراكيب الدقيقة التي تقوم مقام الإنزيمات. وكما أن المواد العضوية التي يتم تصنيعها بمساعدة الإنزيمات تنفك عن الإنزيم بعد اكتمال التفاعل فإن سلسلة الجزيئات العضوية التي تتكون على أسطح الصلصال تقوم بمغادرة هذه السطوح بمجرد اكتمالها وتبدأ بالانتشار بالماء. إن ترتيب وحدات المواد العضوية الأساسية في سلسلة المادة العضوية  يتم حسب  ترتيب الأنماط الموجودة على سطح الصلصال ونظرا لكثرة هذه الأنماط من حيث الترتيب والطول فقد تم إنتاج أعداد كبيرة من المواد العضوية مختلفة الأشكال والأطوال. ولكن  العلماء وجدوا أنه ليس كل ما ينتجه الصلصال من مواد عضوية معقدة تصلح لأن تكون جزيئات مفيدة لعملية تطور الحياة على الأرض  حيث أن كثيرا من هذه المواد تبدأ بالتحلل بعد فترة وجيزة من مغادرتها للصلصال بسبب تفكك روابطها الكيميائية. ويعتقد العلماء أن سلاسل الأحماض النووية هي الجزيئات الوحيدة التي يمكن لها أن تبقى لفترات طويلة بعد انفصالها عن الصلصال إذا ما توفرت فيها خاصية مهمة وهي قدرتها على إنتاج نسخ عنها بدون مساعدة الصلصال. وبمعرفة العلماء لهذا الدور المهم الذي لعبه الصلصال في تطور الحياة على الأرض تم حل اللغز الثاني من ألغاز الحياة وهو طريقة تصنيع المواد العضوية المعقدة من المواد العضوية الأساسية التي  سبق أن تكونت في جو الأرض الأولي.

 

المراجع

1-       بداية الخلق في القرآن الكريم، د. منصور العبادي، دار الفلاح للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، طبعة 2006م.

2-       Cairns-Smith, A. G. Genetic Takeover and the Mineral Origins of Life. New York: Cambridge University Press (1982).

3-       Clay May Have Been Catalyst For Life, Kate Melville, Internet

4-       Study suggests life sprang from clay,CNN.Com,2003

5-       الكائنات الأولية، كيرنز سميث، مجلة العلوم الأمريكية، حزيران 1985م، نيويورك.

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق